رحلتي مع وزير الدفاع النمساوي إلى قاعدة ماوترن العسكرية أثارت في نفسي مشاهد الرعب الإسرائيلي


أثارت قاعدة مدينة “ماوترن” العسكرية, وهي بلدة صغيرة في منطقة “كريمس” في النمسا السفلى. وتقع على الضفة الجنوبية من نهر الدانوب مقابل “كريمس” وتبعد عنها حوالي 60 كيلومترا إلى الشمال من العاصمة فيينا, الذكريات الأليمة  في نفسي مع جنود جيش الإحتلال الصهيوني

لم أحلم في حياتي أن أقل طائرة هيليوكبتر عسكرية أو أن أزور قاعدة تدريب للجيش وأن أقابل جنودا فيها, لأن التجربة القاسية والمريرة التي عشتها في فلسطين تحت نير حراب جنود الأحتلال, شاني شأن جميع الصحفيين الفلسطينيين قد تركت في نفسي جروحا غائرة لا يمكن نسيانها على مر السنين


ببساطة, أكره سماع ازيز الطائرات العسكرية, الهيلوكبتر والشبح والأباتشي والميراج وغيرها, لانها تثير في نفسي مخاوفا لا حدود لها, واكره مشاهدة الطائرات العسكرية لأنها تعيدني إلى صورة الموت والقتل والدم والدمار, وصور أشلاء اجساد الأطفال والمدنيين, شيوخا ونساء تختلط مع التراب وبقايا قطع اللحم الصغيرة المتناثرة والمتطايرة هنا وهناك

أكره الإحتلال الصهيوني الذي خلف في نفسي ونفس كل فلسطيني هذه الذكريات, ذكريات الحرب والقتل والدمار.  وأشعر ان لا شيئا قد يعوضني عن الألم النفسي الذي يعيش بداخلي طوال هذه السنين, والمشاهد الأليمة المخزونة في ذاكرتي سوى العدالة ورؤية جنرالات إسرائيل وراء القضبان أو معلقين على أعواد المشانق باحكام قضائية صادرة عن محاكم العدل, هذا رغم شكوكي في تحقيق أحلامي, ولكن لأ أحد يمنعني من الأحلام


لا اعتقد بان أي اتفاقات للسلام واي مفاوضات مع قادة الإحتلال سيعيد إليّ إنسانيتي وكرامتي التي انتقصها جيش الإحتلال. لا اعتقد أنني قادرة على العيش بدون هذه الذكريات. ومن كان بمقدوره ان يقول غير ذلك فاليعوضني عن آثار الدمار النفسي والمخاوف والكوابيس التي تطاردني في ساعات الليل والنهار

بالأمس, يوم الجمعة 11 أيار الجاري, وقفت أرتجف من الخوف أمام طائرات الهيلوكبتر العسكرية النمساوية التي كانت تقف لتقلني ورفاقي الصحفيين إلى قاعدة “ماوترن” العسكرية مرافقين لزيارة وزير الدفاع نوبرت دابوس. فاللوهلة الأولي ظننت أنها طائرات جيش الأحتلال الصهيوني, وبقيت على هذا الحال استعرض في مخيلتي شريط ذكريات اليم مرعب


افقت من غيبوبتي على صوت الميجر “ميخائيل بارتو” يقف إلى جانب شقيقه (الشق الثاني من التوأم) الميجر “بيتر” يقرأ إسمي بين قائمة المشاركين في الجولة الصحفية. كان شابا لطيفا ومهذبا وخلوقا ولا تفارق ملامح وجهه ابتسامة عريضة

تقدمت من الميجر “بارتو” وقلت له في صوت منخفض حتى لا يسمعني زملائي الصحفيين, ان هذه الطائرات العسكرية الصغيرة تثير في نفسي ذكريات مريرة مع الجيش الإسرائيلي, وانني اليوم أمام اول امتحان للتحدي مع ذكرياتي. وآمل ان تساعدني في ذلك


صعدت للطائرة الصغيرة التي اقلت كل واحدة منها ثمانية أشخاص. اربعة صحفيين, واربعة عسكريين, غير مسلحين بالقنابل الفتاكة والذخيرة الحية والكلاشينكوف

جلس كل اثنين منها في اتجاهات عكسية, ولم تفرض أي قيود على التصوير داخل الطائرة. شاهدنا فينا  الخضراء ونهر الدانوب ونحن نحلق في الطائرة الصغيرة. وبدت أكثر جمالا من فينا التي شاهدتها مرارا خلال ركوب الطائرات السياحية


نزلنا في مطار قاعدة “ماوترن” للتدريب العسكري. مطار تكسوه الحشائش الخضراء والزهور البيضاء, وتهب عليه نسمات الهواء العليل من كل اتجاه. شعرنا بمتعة المسير وسط الربيع الأخضر والزهور المتفتحة في هذه القاعدة العسكرية ونحن نسير إلى جانب الوزير “داربوس” الذي كان يسير بيننا دون حواجز أمنية, وحرس رئاسي, وقوات أمن وطني ووقائي, وشرطة مدنية عسكرية, وأسلحة وقنابل مصوبة نحو أجسادنا, وعيون مثل الغمازات تطاردنا وتتوعدنا وتوجه إلينا كل التهم

لم يضربنا أحد, ولم يقفز أمام عدسة الكاميرات التي نحملها إنس ولا جان. ولم يشدنا “أمن” من أيدينا وذراعنا ؟؟؟ ولم يامرنا أحد بالأبتعاد عن وزير الدفاع, ولم نسمع أحدا يهددنا ويملي علينا أي تعليمات. هذه المشاهد المقززة فقط نراها في دولة الإحتلال إسرائيل, وأثناء زيارات رؤساء الأنظمة العربية الديكتاتورية التي تقود شعوبها كقطعان الغنم


في المطار الصغير الجميل, كانت تنتظرنا عدد من سيارت النقل المدني التي أقلتنا خلال دقيقة ونصف إلى قاعة اجتماع الوزير مع ضباط القاعدة العسكرية. صعدنا مع الوزير نفس الدرج دون دفش ورفس. ودخلنا قاعة الإجتماع دون أن ندخل في إجراءات امنية على الطريقة الإسرائيلية, لم تشمشم الكلاب كاميراتنا, التي لم يتم فحصها لدى دخولنا حتى مقر وزارة الدفاع ذاتها. ولم ندخل زنازين التعري والفحص الأمني للملابس الداخلية المعهودة في مقرات الأدراة العسكرية وفي جميع نقاط التفتيش المقامة على أسطح منازلنا وفي شوارع فلسطين, ولم نستمع إلى لوائح الممنوعات

جلست خلف الوزير “داربوس” مباشرة دون حواجز “امنية”, لم تكن في القاعة أماكن مخصصة لكبار القوم وصغاره كتلك التي نشاهدهها لدى حضور الإحتفالات المعهودة التي تنظمها حتى جمعيات بيع الفلافل والترمس. جلس كل منا حسب رغبته. وبدأ الأجتماع وانتهى ونحن نتحرك في القاعة ونصور بكل حرية وارتياح

شىء واحد أثار الريبة في نفسي, عندما شاهدت ملامح كونيل “لانج ثالر” تذكرني في ملامح مجرم الحرب, قائد الإحتلال العسكري السابق في مدينة الخليل المدعو “ايجال شارون”. حقا شعرت في الخوف, لأن شريط إصابة الطفلة “لينا مسك” التي سقطت امعاؤها أمامي في شارع الشلالة, عندما حاولت التوقف بعد ان سقطت على الأرض في رصاصة اطلقها عليها جندي “شارون” عن بعد عشرين متر ما زالت محفورة في مخيلتي. لا يمكن نسيان الطفلة (لينا) التي جمع صاحب محل أحذية “الزغل” أمام “بير الحمّص” امعائها ووضعها في بطنها وحملها على راحة يديه مثل حبة الليمون امام عيوني. تذكرت كيف كسر جنود الضابط يدي وتذكرت ألف قصة وحكاية وراوية. يا إلهي!! دماغي تكاد تنفجر من ذكريات الإرهاب الإسرائيلي

ولا أنسى الطفل سامر كرامة (تسع سنوات) الذي استشهد برصاص جنود “شارون”. والطفل الصغير (معتز النتشة) الذي دخلت شظايا الرصاص المتفجر في قلبه. وإنني على إستعداد للإدلاء بشهاداتي هذه موثقة في تواريخها في اي محكمة مهما طال الزمان أو قصر. حتى ولو تحققت أحلامنا وتحررنا من الأحتلال وأصبحت عاصمتنا القدس وليس القدس الشرقية فلن أنسى او أتحرر من ذكرياتي التي تعشش في أعماق أعماق أعماقي

بالتأكيد كونيل “ثالر” النمساوي ليس المجرم “ايجال شارون” الإسرائيلي, وهو لا يدري عما يدور في خلدي في شريط ذكرياتي التي لا يراه أحد غيري, ويأبى إلا ان يعاكسني ويمر في مخيلتي في كل لحظة خلوت فيها مع نفسي, إنه يطاردني في ساعات الليل والنهار رغم تمسك التيار “الحمائي” من أبناء شعبي المقهور في “التنسيق الأمني” الكريه مع جنرالات القتل الصهيوني

في القاعدة العسكرية تحركنا وتنقلنا وصورنا, ورغم انها عسكرية إلا انها لم تكن “منطقة عسكرية مغلقة” كالتي يعلن عنها في ديارنا وفوق أسطحنا وشوارعنا ومدننا وجميع قرانا في فلسطين

جيري الكلب العسكري المدرب الذي وقف متحفزا ينتظر إشارة من رفيقه العقيد “فريدرك كلاوس” أثار في نفسي مشاهدا درامية كثيرة, وقعت في شارع الشهداء وفي بلدة يطا, وعلى حاجز بيت لحم “جيلو” وعلى مقربة من “جورة العناب” في القدس المحتلة, وكان آخرها مشهد انقضاض الكلاب العسكرية على ضابط الشرطة الفلسطيني (أحمد إشتيوي) في يوم الجمعة 16 2012, في قرية كفر قدوم. شاهد فيلم الكلاب تنهش في الضابط الشرطة الفلسطينية

لقراءة باقي المذكرات أنقر على الرابط التالي

Austrian Flag
Bild aus dem Parlament
000_5151A
000_2207A

Advertising? Werbung? Click on the picture below. Klicken Sie auf das Bild unten. kawther [dot] salam [at] gmail [dot] com

000_8696b_edited-1

Advertising? Werbung? Click on the picture below. Klicken Sie auf das Bild unten. kawther [dot] salam [at] gmail [dot] com

Related Books


Support this site by buying these books at Amazon. Thank you!

000_4195A
000_4229A
000_1418A
Der Stephansplatz

Der Stephansplatz

Johann Strauß

Johann Strauß

000_8728

Volksgarten

Nikon (57)

Kurpark Oberlaa

000_2638A

Verbrechen in Israel

Add to Netvibes Creative Commons License