- Europa & Middle East News - http://www.kawther.info/wpr -

كلمة المحرر: تحليل قصير لأسباب الضغوط السياسية في مصر

Nile_Riverالطموحات الإقليمية الصهيونة ليست سرا وهي لا تخفى على أحد, وقد نشرت على مدى 100 مائة عام على الأقل، ومعظم المشاكل السياسية ومشاكل الشعوب في البلاد تقترب بشكل أو بآخر من إسرائيل وطموحات ومكائد الصهاينة وحلفائهم ممن إرتكبوا الشىء الكثير من اجل تحقيق الفائدة والوفاء لإسرائيل. والمشهد الدموي كله المسمى ب “الربيع العربي” يمكن أن ينظر إليه في هذاالسياق، والأحداث التي وقعت في مصر خلال السنوات القليلة الماضية ليست استثناء. فقد كانت مصر خاضعة لمصالح الصهيونية الغربية على الأقل منذ حملة نابليون، وكان هذا أكثر وضوحا منذ ما بعد عهد الناصري في الخمسينات

ويمكن هنا تلخيص نقاط الضعف السياسية الحالية والتاريخية التي تعاني منها مصر ويمكن فهمها من قبل الصهاينة جيدا بما يلي

أولا: يبلغ عدد سكان مصر في الوقت الحالي, ما يزيد على أكثر من 85 مليون نسمة وفقا لتقديرات نشرتها وكالة المخابرات المركزية. ولما كانت مصر دولة كبيرة تبلغ مساحتها مليون كيلو متر مربع تقريبا, معظم مساحتها السطحية عبارة عن صحراء, فإن الغالبية العظمى من السكان المصريين يتمركزون في العيش في دلتا النيل ووادي ضيق يتمتع بتربة خصبة على جانبي النيل على مساحة لا يزيد عرضها كاقصى حد عن مائة كيلو متر مربع واقل بكثير من هذا التقدير في بعض المناطق المحيطة بالنهر

وفي مناطق الأرض الخصبة في الوادي الضيق المتعرج تعيش ما نسبته تقريبا من 30 – 40 مليون نسمة, وهذا بالتأكيد هو ليس عدد سكان مصر الحالي. أما الفرق في هذا العدد من السكان فيجب ان  يتدبروا امورهم في البحث عن طرق ووسائل أخرى في العيش كالصناعة والتجارة مثلا

وكمثال على ذلك إتخاذ قرار بيع الغاز الطبيعي إلى إسرائيل في ظروف الحرمان القاسية والمجحفة جدا في هذه الصفقة التي تم إدخالها في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، وعن طريق تقديم أي دعم مالي عسكري سنوي من الولايات المتحدة الأمريكية لمصر مقابل الامتثال لمطالبها في تحقيق رغبات إسرائيل. ويذهب جزء الأكبر من هذه الأموال إلى الجيش المصري ودفع الرواتب واستيراد المواد الغذائية التي يتم توزيع بشكل غير متكافىء على الفقراء

ونهر النيل الذي يعتبر مصدر الحياة الرئيسي لمصر، هو في الوقت نفسه أحد العوامل الرئيسية التي تجعل من مصر مفتوحة للابتزاز والمساومة. وقد لجأت إسرائيل دوما في تهديداتها إلى قصف السد  العالي في جنوب أسوان في مصر من أجل وضع علامة فارقة يتذكرها المصريون على مدى التاريخ  ورغم أن الدولة الصهيونية اليوم, وبعد توقبع إتفاقية السلام على أسس مجحفة في حق الشعب المصري لم تتوقف إسرائيل في تهديداتها لمصر بطرق غير مباشرة في العلن والخفاء

وتعمل إسرائيل اليوم في الضغط على مصر بشكل غير مباشر من خلال البدء في بناء مشروع الطاقة الكهرومائية العملاقة في السودان، والذي قد تؤدي إلى جفاف مياه النيل، وترك آثار اقتصادية سيئة يكون لها عواقب وخيمة على مصر والشعب المصري بكل فئاته شرائحه

أما النقطة الثانية من نقاط الضعف في مصر: هو مصدر الدخل الرئيسي، كالسياحة في مصر التي تعتمد تماما على الوضع السياسي المستقر, إلى جانب جماعة الإخوان المسلمين, وهي قوة في حد ذاتها لا يمكن إنكارها في مصر, وهذه القوة من مروجي الفكر والتفسير الراديكالي للإسلام, الأمر الذي يجعل العديد من أعضاء وقيادات هذه الحركة قابلين بسهولة للاستغلال والسقوط, خاصة عندما تكون الحساسيات الدينية من قبل الفئات المثقفة والأكاديمية في مصر, أي بالنسبة للجزء الأكبر من السكان المتعلمين ملتهبة

هذه الحساسيات يمكن استغلالها بسهولة ببساطة من خلال تذكير الجماهير الدينية بأن المرأة مثلا لا يجوز لها أن تكشف عن بشرتها في الأماكن العامة، كما تفعل النساء الغربيات في المنتجعات والشواطئ من البحر الأحمر في كثير من الأحيان. وتحت هذا الغطاء من “التعصب الديني الملتهب الأعمى” يصبح من السهل أن تشن الجماعات الدينية المتطرفة أي عمل وحشي, ومثال على ذلك هو ما قام به “الإرهابيون” يوم أمس عندما نفذوا جريمة إعدام 25 شرطي مصريا. والبحث في موضوع التطرف الديني وسقوط هذه الفئة الراديكالية  في أيدي أصحاب ذوي المصالح, وتمويلها وتسليحها وإرتكابها المجازر البشعة بحث يطول شرحه

hunger in Egyptأما النقطة الثالثة من نقاط الضعف في مصر وهي ما سبق الإشارة إليه: مسألة التضخم السكاني. ففي عام 2008 ارتفعت أسعار القمح إلى نقطة كان معها ليس بمقدور الكثيرين من الشعب المصري تحمل شراء المواد الغذائية ورغيف الخبز، ونشبت في حينه أعمال شغب. وقد خف هذا الوضع على وجه السرعة بسبب زيادة الواردات من القمح واستقرار أسعار المواد الأساسية مرة ثانية

أما النظام الحاكم في مصر وأيا كان توجهه في الماضي وما سيكون توجهه في الحاضر والمستقبل, فهو لا يمكن له أن يجازف بخسارة المساعدات المالية العسكرية الأمريكية في أي حال من الأحوال، وهذا ما يفسر لماذا لا ترد أو تنتقم مصر عندما يفتح الجنود الإسرائيليون نيران أسلحتهم عبر حدودها كما فعلوا كثيرا وأدى ذلك إلى مقتل جنود مصريين. حتى في الأحداث التي يطلق فيها جنود الجيش الإسرائيلي النار على الحدود المصرية من أجل المتعة والتذكيير بالقول: نحن هنا, فإن النظام الحاكم المصري الحاكم لا يرد على مجموع هذه الخروقات والتضحية بالمساعدات المالية التي تصله من الولايات المتحدة الأمريكية, والتي قد ينذر إنقطاعها بأسوأ الظروف والكوارث في ظل التضخم السكاني في مصر والفقر المدقع والأسباب آنفة الذكر

وهذا ما يفسر أيضا لماذا تتعاون مصر مع دول الغرب من أجل الإبقاء على غزة في حالتها اليوم معسكرا مغلقا، ولماذا لا تمنح مصر تأشيرات دخول للفلسطينيين لأراضيها، ولماذا تحافظ مصر على اتفاق السلام مع إسرائيل في ظل ظروف مجحفة بحق الشعب المصري, أو لماذا دخلت مصر في اتفاق غير ملائم بشكل كبير على بيع من الغاز الطبيعي إلى إسرائيل على الرغم من معارضة شريحة كبرى من الشعب المصري لذلك؟؟

والجواب هو: هذا ما يريده الصهاينة وحلفائهم الممسكين بزمام القوة في مختلف دول العالم، ولهذا فعندما تشكو إسرائيل أمرا، فان مصر تحسب الف حساب من تلك الشكوى خوفا من فقدان المساعدات المالية العسكرية المقدمة إليها، ما من شأنه أن يكون له عواقب في اسقاط النخبة الممسكة في السلطة وزمام الأمور في مصر وفقا لمطالب الغرب كما هو الوضع الحالي في السلطة اليوم، أعمال شغب كبيرة مع عدة مئات أو الآلاف من القتلى، وكارثة الجوع والفقر والإقتصاد المتردي وانعدام الأمان وما لكل ذلك من أبعاد كبيرة وخطيرة على الجمهورية بشكل عام

وفي سياق المصالح الإسرائيلية وما تم ذكره آنفا، فإنه من المفيد أن تكون هناك مصر كما هي عليه الآن في الوضع المتأزم والمشاكل المتضخمة وما كانت عليه في الماضي باعتبارها جارة يديرها نظام قوي بما فيه الكفاية لقمع العداء الذي يشعر به معظم سكانها نحو إسرائيل, ولكن هذه الدولة والنظام الحاكم وحده يمكن أن ينظر إليه على أنه نظام جيد مؤقت. إذا ما أخذنا في عين الاعتبار بأن الوضع في الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بسير من إتجاه تعقيدات اقتصادية ستؤدي للإفلاس في القريب العاجل, ولهذا فإن أفضل الخيارات التي بدأ الغرب يفكر في طرحها وتفضي إلى تحقيق طموح إسرائيل,هو تقسيم مصر جغرافيا واجتماعيا ودينيا. وهذا ما يجري البحث عنه اليوم في سياق الثورات المفتعلة, والتي بدأت في مصر مع إندلاع أول شرارة سميت بثورة الخامس والعشرين من شهر يناير عام 2011

هكذا جاءت أول محاولة لجلب مصر على مسار أكثر قابلية لتحقيق الرغبات الصهيونية والأطماع ألأمريكية والإسرائيلية المتزايدة والتي تمثلت في الاطاحة بنظام مبارك، ومن بعدها سارت مصر في الاتجاه الخاطئ مع وصول جماعة الإخوان المسلمين الى السلطة. وكان واضحا بأن الإنقلاب الذي جرى في مصر قد صنع في واشنطن جنبا إلى جنب مع كل ما يجري وجرى من فظائع في تونس وليبيا وسوريا. كل ذلك يخطط له من قبل حفنة من الصهاينية من مجرمي الحروب في العالم يتخذون من (أيباك) والمعهد الأمريكي للأبحاث السياسة العامة [1] “إنتربرايز” (آيه إي آي) وغيرها مقرا لهم في تدبير الكوارث والأحداث في الشرق الأوسط ومختلف دول العالم

أما أحدث استيلاء في مصر من قبل الجيش على السلطة, الذي سمح بموجبه تعيين رئيس مدني ونائب له غير موهوب وملعون على المستوى الشعبي والعالمي “كالبرادعي” الذي فر مع أول بادرة شعر فيها بالخطر، ليس مهما إلى أين, إلى واشنطن أم النمسا حيث يقيم, ولكن هذا ما يبدو للعيان في كل الأحوال

أما ما هو ليس واضح حتى الآن فهو: من مصلحة من وصل اللواء السيسي ومن حوله الى القيادة؟ ومن الذي يقف داعما لهم في الخفاء؟؟ وما هي مصالح المختفين خلف هذا المشهد السياسي الحالي في مصر؟؟ بالتاكيد في كل الأحوال فإن إسرائيل لن تخسر شيئا في سياق حمام الدم الذي بسيطر على المشهد السياسي اليوم

المقال باللغة الأنجليزية على الرابط أدناه
Short Analysis of Egypt’s Political Pressures [2] 

egypt_map_large